أولا: سبب تسمية مسجد بيت المقدس بالأقصى
الأقصى : لغة من القصو وهو البعد ، والأقصى: الأبعد .
واختلف في سبب تسميته قال أبو حيان: "سمي الأقصى لأنه كان في ذلك الوقت أقصى بيوت الله الفاضلة عن الكعبة " وقال ابن عطية: "إن المراد بالأقصى البعيد دون مفاضلة بينه وبين سواه ، ويكون المقصود إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البعد في ليلة. (البحر المحيط 6/7).
تاريخ المسجد الأقصى:
والمسجد الأقصى هو ثاني المساجد التي وضعت على الأرض لعبادة الله عز وجل, وقد كان المسجد الحرام أول هذه المساجد : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين} [آل عمران:96]. وقد كان بناؤه على يد إبراهيم وإسماعيل عليها السلام {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } [البقرة:127].
وقد كان المسجد الأقصى ثاني المساجد، وبني بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما ورد في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: ((المسجد الحرام ، قلت: ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال: أربعون سنة)).
ولذا يذهب بعض المحققين أن الذي بناه أيضاً هو إبراهيم عليه السلام, قال شيخ الإسلام: "فالمسجد الأقصى كان في عهد إبراهيم عليه السلام, لكن سليمان عليه السلام بناه بناءً عظيمًا, فكل من المساجد الثلاث بناه نبي كريم ليصلي فيه هو والناس" [الفتاوى 27/ 351].
ويذكر المؤرخون في روايات لا يمكن توثيقها أن يعقوب عليه السلام أقام مسجدًا عند الصخرة.
ـ وفي عهد سليمان عليه السلام تم بناء هيكل لليهود لعبادة الله عز وجل, وسرعان ما أصبح المعبد بعد وفاته هيكلاً لعبادة الأصنام كما تذكر ذلك التوراة المحرفة, وهو صحيح.
ـ وفي عام (587 ق.م) غزا بختنصر ملك بابل بيت المقدس, ونهب أورشليم ودمر الهيكل وسبى من لم يقتله إلى بابل وكان ذلك عقوبة على ما صنعوه من إفساد وتحريف لدين الله {لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرًا } [الإسراء: 4].
ولما عاد اليهود إلى فلسطين عام (538 ق. م) أعادوا بناء الهيكل فيما سمي بالهيكل الثاني.
ـ وفي عام (20 ق.م) أعاد الحاكم الروماني هيرودس تجديد البناء, وقد كان المسجد قائمًا زمن المسيح عليه السلام، وقد جاء في الحديث أن الله أمر يحيى بخمس كلمات يبلغها بني إسرائيل قال صلى الله عليه وسلم: ((فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشُرف)) [رواه الترمذي ح 3023].
ـ وفي عام (70 م) أقدم الأمبرطور طيطس على إحراق المدينة المقدسة وتدمير المعبد, ولكن طيطس حين دمر المدينة والهيكل ترك الحطام محله، وهذا آخر عهد بني إسرائيل بالهيكل.
ـ وفي عام (135م) أزال الأمبراطور أدريانوس كل معالم الهيكل وحطامه وحجارته،كما طمس معالم المدينة, وأقام محل الهيكل معبدًا وثنيًا سماه (جوبيتار), وهو اسم لرب الآلهة عند الرومان.
وعندما انتشرت النصرانية في فلسطين وفي أوائل القرن الرابع الميلادي, وفي عهد مؤسس المسيحية الجديد الإمبراطور قسطنطين تم تحطيم المعبد الوثني, وقد بني محله بناء، وهو الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم لقريش عندما سألته عن علامة صدقه في قيامه برحلة الإسراء.
وإليه كان المسلمون يصلون بعد أن فرضت عليهم الصلاة إلى أن نزل قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام }.(البقرة 144)
وعندما قدم المسلمون أرض فلسطين فاتحين كان الروم قد جعلوا المكان موضعًا لرمي القذر, وذلك نكاية ببني إسرائيل.
وحين قدم عمر بن الخطاب بيت المقدس فاتحًا سأل عمر كعب الأحبار ـ وكان من جنود الفتح ـ عن مكان الصخرة, وكان الزبل والقذر قد علاها فأشار إلى مكانها, فجعل عمر والمسلمون يزيلون بأيديهم ما عليها.
وقرر عمر رضي الله عنه إعادة بناء المسجد فاستشار كعب الأحبار في محل بنائه فأشار أن يبنيه خلف الصخرة لتجتمع قبلتا موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام فيه, لكن عمر أبى ذلك وقال: "ضاهيت اليهودية يا كعب" وأقام المسجد أمام الصخرة وجعلها في مؤخرته.
وقد تم تجديد بناء المدينة في عهد عبد الملك بن مروان, ومما تم تجديده يوم ذاك المسجد الأقصى ومسجد الصخرة, وتولي الإشراف على مهمة البناء العلامة رجاء بن حيوة, وقد أوقف عبد الملك خراج مصر سبع سنين لإتمام هذا البناء, وقد تم عام (73 هـ) .
ـ وفي عهد أبي جعفر المنصور وقع زلزال في بيت المقدس وتهدمت بسببه أجزاء من المسجد, فأمر بإعادة البناء على أحسن حال وذلك عام (154 هـ).
ـ وفي عام (158 هـ) قام المهدي بإصلاحات في المسجد وزاد في طوله.
ـ وفي عهد المأمون (198 هـ) جرت بعض الإصلاحات والترميمات في المسجد.
ـ وما زال المسجد الأقصى أرضًا إسلامية يتعاهدها المسلمون بالحماية والاهتمام.
ـ وفي عام (1967م) احتلت دولة العدو الإسرائيلي القدس الشرقية التي يقع فيها المسجد الأقصى, وأبقت ـ حرصًا على عدم استفزاز مشاعر المسلمين في العالم وفلسطين ـ أبقت منطقة المسجد الأقصى في نفوذ مؤسسات الأوقاف الإسلامية.
ثم ما لبثت تحاول السيطرة على هذه المنطقة محاولة إعادة بناء ما تسميه الهيكل الثالث.
ثانيا: المؤامرة على المسجد الأقصى وخطة بناء الهيكل مكانه: 1- منظمات إرهابية تهدف إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل:منذ أمد بعيد يخطط اليهود ويتداعون لإقامة ما يسمونه الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، وهذا الأمر يمتد إلى ماقبل سيطرتهم على أرض فلسطين المباركة، ولعل أبرز ما يبين ذلك تأسيس الحركة الماسونية العالمية.تأسست الحركة الماسونية ولا يعرف على التحديد وقت تأسيسها ، وهي كما عرفها المستشرق الهولندي دوزي جمهور كبير من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة هي إعادة الهيكل الذي هو رمز دولة إسرائيل.وكلمة ماسونية مأخوذة من الكلمة الإنجليزية freemason ومعناها: البناؤون الأحرار .تقول دائرة المعارف الماسونية الصادرة في فيلادلفيا (1906م): "يجب أن يكون كل محفل رمزاً لهيكل اليهود ، وهو بالفعل كذلك".ولما أقام اليهود دولتهم على أرض فلسطين عملوا على تنفيذ تلك المخططات، فقد أنشأ اليهود في فلسطين عدداً من المنظمات المعنية ببناء الهيكل على أنقاض الأقصى منها.1- حركة الاستيلاء على الأقصى، وتأسست عام 1968م على يد موشي ليفنجر.2- منظمة يشيفات أتريت كوهانين (ومعناه : التاج الكهنوتي) ولديها مخططات هندسية كاملة لما تسميه الهيكل الثالث.3- جماعة جوش ايموفيم (ومعناها كتلة الإيمان) وأسسها موشي ليفنجر أيضاً عام (1973م).4- جماعة أمناء الهيكل، وتقوم بأداء الصلوات بجوار المسجد الأقصى بانتظار أن تصلي في الهيكل بعد حين.5- مؤسسة الهيكل المقدس، وأسسها ستانلي جولدفوت.6- جمعية صندوق جبل الهيكل، وأسست عام(1983م) وأسسها الثري المسيحي تيري اونهوفر.(سوى ذلك من المنظمات اليهودية والمسيحية البروتستانتية).كما أنشأت الحكومة الإسرائيلية خمس مدارس دينية تعلم الطلاب عن الهيكل وطقوسه وتاريخه.ـ وانعقد في القدس المؤتمر السنوي السابع لرابطة (إعادة بناء الهيكل) بمباركة ومشاركة حكومية، والرابطة تضم عشر منظمات كبرى اشتركت في تنظيم المؤتمر الذي عقد في(17/9/1998م) وضم آلافاً من اليهود المتدينين من منظمات أخرى يجمعهم قاطبة أنهم أعضاء في منظمات يهوديـة سريـة وعلنية تدعو جهاراً إلى التعجيل بهدم الأقصى وبناء الهيكل.وتقدر الأوساط الإسرائيلية عدد من حضروا المؤتمر بسبعة آلاف يهودي.وكان الهدف من المؤتمر ـ الذي شاركت فيه شخصيات حكومية ـ تقسيم المهام من أجل الهدف الذي جعلوه عنواناً للرابطة وهو: (إعادة بناء الهيكل)، وقد ألقى نائب وزير المعارف (الإسرائيلي) (موشي بيلد) كلمة أشاد فيها بالحضور، وخاطب المؤتمرين قائلاً: (أدعوكم إلى مواصلة نشر قيم الهيكل وقيم التراث والثقافة اليهودية بين شباب (إسرائيل) في كافة مراحل التعليم). وأردف قائلاً: (إن الهيكل هو قلب الشعب اليهودي وروحه). ثم قام زعيم منظمة (قائم وحي) ليتحدث عن المشاركين فقال: (إننا نرى دعماً رسمياً، ونأمل بأن يسهم في إعطاء انطلاقة جديدة لقضية إعادة المعبد اليهودي في القدس) (جريدة الحياة 17/9/1998م). 2- الاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى: وقد تعرض المسجد الأقصى لاعتداءات آثمة متكررة، وقد قامت الجماعات اليهودية والجيش الإسرائيلي منذ عام 1967م ـ الذي احتل اليهود فيه القدس ـ وحتى العام 1990م بأكثر من أربعين عملاً عدائياً ضد المسجد الأقصـى، وقد يُظـن أن مـا يسـمى بـ (عمليات السلام) بعد هذا التاريخ قد خففت من حدة المشاعر اليهودية العدائية تجاه جيرانهم العرب (المسالمين)، ولكن الحقيقة أن هذا الوهم تكذبه الوقائع؛ فمنذ أن أُبرمـت اتفاقيـات مدريد وأوسلو، وأعمال الاعتداء تزداد وتيرتها؛ حتى بلغت قريباً من مئة محاولة، منها 72 محاولة منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى منتصف عام 1998م. ومن هذه الاعتداءات نذكر: · الاستيلاء عليه وتدنيس حرمته عام 1967م وقد قال دايان وزير الدفاع حينذاك: اليوم فتحت الطريق إلى بابل ويثرب . وقال وزير الأديان يوم ذاك الدكتور زيرخ فارهافتك : ((أنا لا أناقش أحداً في أن الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل ، ولكن الأوان لم يحن بعد، وعندما يحين الموعد لابد من حدوث زلزال يهدم الأقصى ونبني الهيكل على أنقاضه)). وما الحفريات التي تجري في أساسات المسجد الأقصى وتحته إلا توطئة للزلزال الذي يحلم به اليهود. · وفي (30/1/1967م) أقرت إحدى المحاكم الإسرائيلي بحق اليهود في الصلاة بساحات الأقصى في أي وقت يشاءون من النهار. · وفي (31/اغسطس/ 1967م) استولى الجيش الإسرائيلي على مفتاح باب المغاربة لتيسير الدخول إلى حائط المبكى. · وفي (15/ اغسطس/ 1967م) دخل الحاخام الأكبر شلومو غودين بالزي العسكري ساحة المسجد الأقصى برفقة عشرين من ضباط الجيش الإسرائيلي وأخذ المقاسات لساحة المسجد، وأعلن تحديد مكان الهيكل، وأنشأ ما سمى بـ((حركة إسرائيل الكبرى)). · تم حرق المسجد الأقصى في (21/أغسطس/1969م) على يد الأسترالي دينيس مايكل ، وقد أفرج عنه فيما بعد بحجة أنه مجنون!! · بدأ شق الأنفاق تحت المسجد الأقصى من جهته الجنوبية والغربية وذلك عام (1970م). · وصلت الأنفاق إلى ما تحت مسجد النساء داخل المسجد الأقصى عام (1977م). · تم البدء في بناء معبد يهودي مصغر تحت المسجد الأقصى في عام (1979م) ، وقد افتتحه رئيس وزراء إسرائيل عام(1986م)، كما تم عام (1979م) إنشاء نفق واسع طويل يمر تحت المسجد من شرقه إلى غربه. · وفي (2/3/1982م) قام 15 متعصباً من جماعة أمناء جبل الهيكل باقتحام أحد الأبواب الخارجية للمسجد الأقصى (باب السلسلة)، واعتدوا على الحراس واشتبكوا معهم. · وفي (11/أبريل/1982م) اقتحم الجندي الإسرائيلي الآن جودمان المسجد الأقصى وأطلق النار على أحد حراس المسجد الأقصى بمساعدة جنود إسرائيليين تمركزوا خارج المسجد ، وقد أصيب في هذا الحادث ما يقرب من مائة مسلم. · وفي (27/أبريل/1982م) قام الحاخام كاهانا ومعه مائة متطرف يهودي بمحاولة لاقتحام المسجد الأقصى، وحملوا صورة ضخمة تجعل الهيكل مكان الأقصى. · وفي (1/أغسطس/1984م) اكتشف حراس الأقصى عدداً من الإرهابيين اليهود يعدون لعملية نسف المسجد الأقصى. يقول الشيخ العلمي مفتي القدس "لولا عناية الله لما بقي حجر على حجر من المبنى الشريف". · وقد سمحت الحكومة الإسرائيلية خلال عامي 1995، 1996م لمؤسستين إسرائيليتين وهما: (شركة الآثار الإسرائيلية) و (شركة تطوير القدس) بإجراء المزيد من الحفريات.وتكمن خطورة هذه الحفريات في أنها تهدد أساسات المسجد الأقصى في المرحلة الحالية، وتسهل أو تكمل مشروع بناء الهيكل في المراحل التالية. وكانت قصة الافتتاح الرسمي لنفق (الحشمو نائيم) في )سبتمبر عام 1996م(، بمثابة لفت نظر لتبني الدولة اليهودية لمثل هذه المشروعات. 3- كيف سيهدم اليهود الأقصى: نشرت جريدة (معاريف) في )أغسطس 98م( مقالاً بعنوان: (ثلاثة احتمالات للتهديدات) ذكرت فيه أن القيام بعمل ضد الأماكن الإسلامية قد يأخذ أحد الأشكال الثلاثة الآتية:1- انتفاضة شعبية عارمة من مئات ألوف المتطرفين؛ حيث يقومون بسلسلة عمليات شغب عنيفة، لإشاعة جو من الفوضى يتم خلاله تنفيذ ما يريدون.2- قد يقوم متطرف يهودي واحد دون شركاء، وبدون مساندة أو إعداد سابق بهذا العمل، مثل ما قام به (عامير) في قتل رابين، أو ) باروخ جولد شتاين( في مذبحة المسجد الإبراهيمي.3- قد تقوم مجموعة من الأشخاص في خلية سرية بتوجيه ضربتها مستخدمة القنابل أو الصواريخ.وهناك طريق رابع يضيفه بعض المتابعين للموضوع، وهو إمعان اليهود في المزيد من إضعاف أساسات المسجد وتفريغ الأرض من تحته عبر الأنفاق المختلفة، ثم الادعاء عند أي هزة أرضية طبيعية أو صناعية، أن المسجد هُدم قضاءً وقدراً!!-أي بغير فاعل- وهنا تعفى الحكومة الإسرائيلية من ويلات هذا الأمر. · في هذا الصدد نشرت جريدة (يديعوت أحرونوت) في عددها الصادر في (1/9/98م( خبراً بعنوان: (يهودي مجنون قد ينسف الأقصى أو قبة الصخرة)، وجاء في الخبر: (يخشى قادة (الشاباك) (جهاز الأمن) أن يقوم متطرف من (اليمين الإسرائيلي) بالاعتداء على المسجد الأقصى أو قبة الصخرة بهدف الإجهاز على العملية السلمية نهائياً. وتذكر الصحيفة أن (سيناريو) الاعتداء عُرض على رئيس الوزراء (نتنياهو) في اجتماع حضره وزير العدل والأمن الداخلي والمالية، إضافة إلى رئيس بلدية القدس، ورئيس جهاز (الشاباك) والمفتش العام للشرطة، وأعربت الصحيفة عن تخوفها من أن يؤدي الاعتداء على المسجد الأقصى أو قبة الصخرة إلى إحراق المنطقة كلها.